سورة مريم - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


{كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3)}
{كهيعص} قد تكلمنا في أول البقرة على حروف الهجاء، وكان علي بن أبي طالب يقول في دعائه: يا كهيعص فيحتمل أن تكون الجملة عنده اسماً من أسماء الله تعالى، أو ينادي بالأسماء التي اقتطعت منها هذه الحروف {ذِكْرُ} تقديره هذا ذكر {عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ} وصفه بالعبودية تشريفاً له، وإعلاماً له بتخصيصه وتقريبه، ونصب عبده على أنه مفعول لرحمة، فإنها مصدر أضيف إلى الفاعل، ونصب المفعول، وقيل: هو مفعول بفعل مضمر، تقديره: رحمة عبده وعلى هذا يوقف على ما قبله وهذا ضعيف، وفيه تكلف الإضمار من غير حاجة إليه، وقطع العامل عن العمل بعد تهيئته له {إِذْ نادى رَبَّهُ} يعني دعاه {نِدَآءً خَفِيّاً} أخفاه لأنه يسمع الخفي كما يسمع الجهر، ولأن الإخفاء أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء، ولئلا يلومه الناس على طلب الولد {إِنَّي وَهَنَ} أي ضعف {واشتعل} استعارة للشيب من اشتعال النار {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً} أي قد سعدت بدعائي لك فيما تقدم، فاستجب لي في هذا، فتوسل إلى الله بإحسانه القديم إليه.


{قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13)}
{وَإِنِّي خِفْتُ الموالى} يعني: الأقارب قيل: خاف أن يرثوه دون نسله، وقيل: خاف أن يضيعوا الدين من بعده {مِن وَرَآءِى} أي من بعدي {عَاقِراً} أي عقيماً {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً} يعني وارثاً يرثني، قيل: يعني وراثة المال، وقيل: وراثة العلم والنبوة وهو أرجح لقوله صلى الله عليه وسلم: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث» وكذلك {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} العلم والنبوة، وقيل: الملك، ويعقوب هنا هو يعقوب بن إسحاق على الأصح {رَضِيّاً} أي مرضياً فهو فعيل: بمعنى مفعول {سَمِيّاً} يعني من سُمي باسمه، وقيل: مثيلاً ونظيراً، والأول أحسن هنا {أنى يَكُونُ لِي غلام} تعجب واستبعاد أن يكون له ولد مع شيخوخته وعقم امرأته، فسأل ذلك أولاً لعلمه بقدرة الله عليه، وتعجب منه لأنه نادر في العادة، وقيل: سأله وهو في سنّ من يرجوه، وأجيب بعد ذلك بسنين وهو قد شاخ {عِتِيّاً} قيل: يبساً في الأعضاء والمفاصل، وقيل: مبالغة في الكبر {كذلك} الكاف في موضع رفع، أي الأمر كذلك، تصديقاً له فيما ذكر من كبره وعقم امرأته، وعلى هذا يوقف على قوله. كذلك. ثم يبتدأ: قال ربك، وقيل: إن الكاف في موضع نصب بقال، وذلك إشارة إلى مبهم يفسره: هو عليّ هين {اجعل لي آيَةً} أي علامة على حمل امرأته {سَوِيّاً} أي سليماً غير أخرس، وانتصابه على الحال من الضمير في تكلم، والمعنى أنه لا يكلم الناس مع أنه سليم من الخرس، وقيل: إن سوياً يرجع إلى الليالي أي مستويات {فأوحى إِلَيْهِمْ} أي أشار، وقيل: كتب في التراب إذ كان لا يقدر على الكلام {أَن سَبِّحُواْ} قيل: معناه صلوا، والسبحة في اللغة الصلاة، وقيل: قولوا سبحان الله {يايحيى} التقدير قال الله ليحيى بعد ولادته: {خُذِ الكتاب} يعني التوراة {بِقُوَّةٍ} أي في العلم به والعمل به {وآتيناه الحكم صَبِيّاً} قيل: الحكم، معرفة الأحكام، وقيل: الحكمة، وقيل: النبوة {وَحَنَاناً} قيل: معناه رحمة وقال ابن عباس: لا أدري ما الحنان {وزكاوة} أي طهارة، وقيل، ثناء كما يزكى الشاهد.


{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21)}
{واذكر فِي الكتاب مَرْيَمَ} خطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم والكتاب القرآن {إِذِ انتبذت مِنْ أَهْلِهَا} أي اعتزلت منهم وانفردت عنهم {مَكَاناً شَرْقِياً} أي إلى جهة الشرق {فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا} يعني جبريل، وقيل: عيسى، والأول هو الصحيح؛ لأن جبريل هو الذي تمثل لها باتفاق {قَالَتْ إني أَعُوذُ بالرحمن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً} لما رأت الملك الذي تمثل لها في صورة البشر، قد دخل عليها خافت أن يكون من بني آدم، فقالت له هذا الكلام، ومعناه: إن كنت ممن يتقي الله فابعد عني، فإني أعوذ بالله منك، وقيل: إن تقيا اسم رجل معروف بالشرّ عندهم وهذا ضعيف وبعيد {لأَهَبَ لَكِ غلاما زَكِيّاً} الغلام الزكيّ هو عيسى عليه السلام، وقرئ ليهب بالياء، والفاعل فيه هو ضمير الرب سبحانه وتعالى، وقرئ بهمزة التكلم، وهو جبريل، وإنما نسب الهبة إلى نفسه، لأنه هو الذي أرسله الله بها، أو يكون قال ذلك حكاية عن الله تعالى {وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً} البغيّ هي المرأة المجاهرة بالزنا، ووزن بغيّ فعول {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً} الضمر للولد واللام تتعلق بمحذوف تقديره: لنجعله آية فعلنا ذلك.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8